لطالما كان المريخ رمزًا للغموض في سماء الليل، بلونه الأحمر الذي يميّزه عن سائر الكواكب. ومنذ أن ظهرت أولى الصور التي أرسلتها مركبات ناسا قبل عقود، بدأ السؤال الكبير يتردّد:
هل يمكن للإنسان أن يعيش على المريخ؟
ذلك الكوكب البعيد الذي يفصلنا عنه أكثر من 225 مليون كيلومتر، يشبه الأرض من حيث تضاريسه ودورانه اليومي، لكنه مختلف جذريًا في كل شيء آخر: الغلاف الجوي، درجات الحرارة، وحتى طبيعة تربته.
في هذا المقال من نافذتك إلى الفضاء، سنستكشف كل ما يتعلق بإمكانية الحياة البشرية على المريخ — بين الواقع العلمي والطموح البشري.
أولًا: لمحة سريعة عن كوكب المريخ
المريخ هو رابع كواكب المجموعة الشمسية من حيث البعد عن الشمس، يدور حولها على مسافة وسطية تبلغ 1.52 وحدة فلكية (حوالي 228 مليون كيلومتر).
سُمي “الكوكب الأحمر” بسبب أكسيد الحديد المنتشر في تربته وغلافه الجوي، ما يمنحه ذلك اللون المائل إلى الصدأ.
- القطر: 6,792 كيلومتر (حوالي نصف قطر الأرض).
- اليوم المريخي: 24 ساعة و37 دقيقة (قريب جدًا من اليوم الأرضي).
- السنة المريخية: 687 يومًا أرضيًا.
- درجة الحرارة: بين -140°C ليلًا و20°C نهارًا في خط الاستواء.
- الجاذبية: تعادل 38% من جاذبية الأرض (لو وزنك 70 كغ على الأرض → 26 كغ على المريخ).
رغم قسوته، يُعد المريخ أكثر الكواكب شبهًا بالأرض، ولهذا أصبح الوجهة الرئيسية لحلم “الكوكب الثاني للإنسان”.
ثانيًا: الغلاف الجوي للمريخ
غلاف المريخ خفيف جدًا، ويتكوّن من:
| المكوّن | النسبة |
|---|---|
| ثاني أكسيد الكربون (CO₂) | 95% |
| نيتروجين | 2.7% |
| أرجون | 1.6% |
| أوكسجين وآثار أخرى | أقل من 0.2% |
هذه التركيبة تجعل الهواء غير قابل للتنفس، كما أن الضغط الجوي لا يتجاوز 0.6% من ضغط الأرض — أي لو خرج الإنسان دون بدلة فضاء، يتبخر دمه خلال ثوانٍ.
إضافة إلى ذلك، الغلاف الجوي لا يوفر حماية كافية من الإشعاع الكوني والأشعة فوق البنفسجية، ما يجعل السطح خطرًا جدًا على الأحياء.
ثالثًا: الماء… مفتاح الحياة
وجود الماء هو أول شرط للحياة كما نعرفها. وقد أثبتت صور الأقمار الصناعية والمركبات الجوالة (مثل Curiosity وPerseverance) وجود جليد مائي في القطبين، بل وآثار أنهار قديمة جفّت منذ ملايين السنين.
كما رصدت المركبات رطوبة تحت السطح، ما يشير إلى وجود ماء متجمد قابل للذوبان.
ومؤخرًا، اكتشف العلماء طبقات جليدية سميكة في مناطق معتدلة قد تكون المصدر الأساسي لتزويد المستعمرات البشرية بالماء مستقبلاً.
اقرأ ايضا: كوكب زحل: أسرار العملاق ذي الحلقات المبهرة
رابعًا: سطح المريخ وظروفه
يضم المريخ بعضًا من أعجب تضاريس النظام الشمسي:
- جبل أوليمبوس (Olympus Mons): أكبر بركان معروف في المجموعة الشمسية، ارتفاعه 25 كم.
- وادي مارينر (Valles Marineris): صدع ضخم يمتد لأكثر من 4000 كم.
- كثبان رملية متحركة تشبه تلك في الصحارى الأرضية.
لكن هذه البيئة المتجمدة الجافة تعاني من عواصف ترابية ضخمة قد تستمر أسابيع وتغطي الكوكب كله، ما يشكل خطرًا على أنظمة الطاقة الشمسية والأجهزة الحساسة.
خامسًا: هل هناك حياة على المريخ؟
منذ عقود، يبحث العلماء عن أدلة على وجود حياة، ولو ميكروبية. النتائج حتى الآن غير قاطعة، لكن بعض العينات أظهرت آثار كربون عضوي ومركبات معقّدة قد تكون دليلًا على نشاط بيولوجي قديم.
مهمة Perseverance التابعة لناسا (2021) جمعت عينات من تربة المريخ لتحليلها في الأرض، وقد تكون هذه العينات المفتاح لحسم السؤال: هل وُجدت حياة على المريخ في الماضي؟
سادسًا: مشاريع استيطان المريخ
العديد من المؤسسات والوكالات وضعت خططًا لبناء مستعمرات بشرية مستقبلية على المريخ:
ناسا (NASA)
تخطط لإرسال بعثات بشرية في ثلاثينات القرن الحالي ضمن برنامج Artemis–Mars. يُتوقع بناء قاعدة أولية بالقرب من خط الاستواء للاستفادة من اعتدال درجات الحرارة نسبيًا.
سبيس إكس (SpaceX)
إيلون ماسك يصرّح بأن هدفه النهائي هو بناء مدينة كاملة على المريخ. الشركة تطور مركبة Starship القادرة على حمل أكثر من 100 شخص في رحلة واحدة إلى الكوكب الأحمر.
وكالة الفضاء الأوروبية (ESA)
تعمل على مشروع ExoMars لاستكشاف التربة المريخية العميقة والبحث عن آثار حياة قديمة.
سابعًا: التحديات أمام الحياة البشرية
حتى لو وصل الإنسان إلى المريخ، فالتحديات كثيرة:
- نقص الهواء القابل للتنفس → الحاجة لأنظمة توليد أوكسجين (مثل تجربة MOXIE).
- الإشعاعات القوية → تتطلب إقامة تحت الأرض أو دروعًا من الجليد والتربة.
- نقص الماء والطعام → زراعة محدودة تحت القباب الزجاجية أو الهيدروبونيك.
- الضغط الجوي المنخفض → يحتاج بدلات فضاء دائمة في الخارج.
- الانعزال النفسي والاجتماعي → يجب تدريب رواد الفضاء على العزلة الطويلة.

ثامنًا: تجارب عملية تمهّد الطريق
- تجربة HI-SEAS في هاواي (محاكاة لعيش رواد فضاء في عزلة مريخية).
- تجربة Mars500 في موسكو، حيث عاش المتطوعون 520 يومًا داخل مجمع مغلق.
- تجربة MOXIE التي نجحت في إنتاج أوكسجين فعلي من هواء المريخ عبر جهاز صغير.
كل تجربة تقرّبنا أكثر من لحظة الخطوة البشرية الأولى على الكوكب الأحمر.
تاسعًا: متى سيصل الإنسان فعليًا؟
تقديرات ناسا وSpaceX تشير إلى أن أول بعثة مأهولة قد تتم بين 2033 و2037. سيكون الهدف الأول تأسيس محطة صغيرة مأهولة مؤقتًا، ثم توسيعها تدريجيًا إلى قاعدة دائمة.
رحلة الذهاب وحدها تستغرق 6 إلى 9 أشهر، حسب موقع الكوكبين في المدار. ولأن النوافذ المناسبة تحدث كل 26 شهرًا، فإن العودة ليست فورية — أي أن رواد الفضاء سيبقون هناك لسنتين على الأقل قبل العودة.
عاشرًا: هل يمكن حقًا العيش هناك؟
من الناحية العلمية، العيش على المريخ ممكن تقنيًا، لكنه يتطلب موارد وتقنيات هائلة:
- استخدام الجليد كمصدر للماء والوقود (تحليل الماء إلى H₂ وO₂).
- بناء مساكن من تربة المريخ (Regolith) عبر الطباعة ثلاثية الأبعاد.
- توليد الكهرباء من الألواح الشمسية أو المفاعلات الصغيرة.
لكن السؤال الأكبر ليس “هل يمكن؟” بل “هل يستحق؟”
فالعيش على كوكب بارد بعيد لا يعني الراحة، بل الصمود والتأقلم من أجل مستقبل الجنس البشري.
الخلاصة
المريخ ليس مجرد كوكب آخر في السماء، بل مرآة لطموح الإنسان في تجاوز حدوده.
ربما لن نعيش هناك غدًا، لكن كل تجربة وكل مسبار يهبط عليه يقرّبنا أكثر من تلك اللحظة التاريخية:
حين تطأ قدم بشرية أرضًا حمراء بعيدة، وتكتب فصلًا جديدًا في قصة الحياة خارج الأرض.
المصادر العلمية
هل كان المقال مفيدًا؟
رائع!
هل لديك مقترحات لتحسين تجربتك أكثر؟
آسفين لذلك!
لماذا كان المقال غير مفيد؟ *



